يستعدّ
البرلمان التونسيّ خلال الأيّام المقبلة لمنح الثقة إلى حكومة جديدة قبل تاريخ الأوّل
من أيلول/سبتمبر، وهي المهلة القانونيّة الّتي منحها الدستور التونسيّ لتشكيل الحكومة.
وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد كلّف في 3 آب/أغسطس الماضي القياديّ في الحزب الحاكم
"حركة نداء تونس" يوسف الشاهد بتشكيل حكومة جديدة سمّاها "حكومة وحدة
وطنيّة".
ويأتي
ذلك، بعد قيام مجلس النوّاب بسحب الثقة من الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد في
30 يوليو/تموز الماضي بعد تعرض حكومته لانتقادات لعدم فاعليتها ، وجاء ذلك في أعقاب
المبادرة الّتي أطلقها الباجي قائد السبسي في 2 حزيران/يونيو خلال حوار على التلفزيون
الرسميّ، من "أجل حكومة وحدة وطنيّة تكون أولويّتها الحرب على الإرهاب والفساد
وترسيخ الديموقراطيّة"، وتشارك فيها أحزاب ونقابات على عكس الحكومة المتخلّية،
والّتي ألفّتها أربعة أحزاب داخل البرلمان، هي: نداء تونس، وهو حزب الرئيس، حركة النّهضة،
حزب الإتّحاد الوطنيّ الحرّ وحزب آفاق تونس، وهما حزبان ليبراليّان. وفي 13 تمّوز/يوليو،
نشرت الرئاسة التونسيّة نصّ المبادرة مفصّلاً تحت اسم "وثيقة قرطاج"، وفيها
الخطوط العامّة لبرنامج عمل الحكومة المزمع تشكيلها. لكن الحكومة الجديدة لن تكون أمام
وضع طبيعي، بل ستواجه تحديات كبيرة، إقتصادية وأمنية إلى جانب ملف الحوْكمة والفساد،
فهل ستنجح في كسب التحدي؟
لم يكن
رئيس الحكومة المكلّف يوسف الشاهد بعيداً عن مراكز صنع القرار في البلاد، إذ قبل تكليفه
كان وزيراً للشؤون المحليّة في الحكومة المتخليّة، فضلاً عن أنّه قياديّ في الحزب الحاكم
"حركة نداء تونس". وقال الشاهد يوم تكليفه: إنّ الحكومة الجديدة ستعمل على
"تحقيق خمس أولويّات ضروريّة، هي: كسب المعركة على الإرهاب، إعلان الحرب على الفساد
والفاسدين، الرفع في نسق النمو لخلق فرص العمل، التحكّم في التوازنات الماليّة ومسألة
النظافة والبيئة".
وأشار
إلى أنّ حكومته "ستعطي مجالاً أكبر لتمثيل فئة الشباب والمرأة، وستصارح الشعب
التونسيّ منذ البداية بحقيقة الأوضاع الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة، وبأنّ البلاد
في مرحلة دقيقة وتحتاج إلى قرارات استثنائيّة وتضحيات"، لكنّ الشاهد ورغم جرعة
التّفاؤل الّتي بثّها في خطابه، سيكون في وضع صعب على كلّ المستويات، خصوصاً أنّ المهام
الّتي طرحها في برنامجه الحكوميّ تحتاج إلى نفس طويل وتنسيق حكوميّ كبير ووضع أمنيّ
مستقرّ.
ومن جهته،
قال الصحافيّ محمّد بالطيب في حديث لـ"المونيتور": "إنّ النقاط الخمس
الّتي أعلنها الشاهد في خطابه سيبقى تحقيقها رهناً بالنّقطة الأولى، وهي مجابهة الإرهاب.
فالوضع الإقتصاديّ ومجابهة الفساد والتحكّم في التّوازنات الماليّة تتطلّب وضعاً أمنيّاً
مستقرّاً، خصوصاً أنّ المواجهة مع الجماعات الإرهابيّة هي سبب مباشر لتردّي الوضع الإقتصاديّ".
وشهدت
تونس منذ العام 2011 العديد من العمليات الإرهابية التي تقف خلفها مجموعات جهادية بعضها
موالي لتنظيم القاعدة ككتيبة عقبة بن نافع، وبعضها الأخر موالي لتنظيم الدولة الإسلامية،
وقد خلفت هذه العمليات أكثر من 220 قتيلاً في صفوف قوات الأمن والجيش و98 قتيلاً مدنياً،
وفقاً لمسح قام به موقع إنكيفادا المحلي.
وأضاف
محمّد بالطيب: "إنّ تحسين الوضع الأمنيّ هو رهن بتحسين أداء الأجهزة الأمنيّة،
الّتي حقّقت في المدّة الأخيرة نجاحات أمنيّة ملحوظة. لقد شهدنا أوّل رمضان هذا العام
منذ 2012 من دون عمليّات إرهابيّة، فقد كانت الأعوام السابقة قد شهدت عمليات إرهابية
إستهدفت قوات الجيش والشرطة في 2013 و2014 وفي 2015 كان الهجوم على منتجع سوسة السياحي.
وهذه النّجاحات تبقى نسبية فقد شهدنا في مارس الماضي هجوماً كبيراً لتنظيم الدولة الإسلامية
على مدينة بنقردان كان يراد منه إقامة إمارة إسلامية. لكن في المقابل يجب المراكمة
على هذه النجاحات النسبية من خلال المحافظة على الفريق الأمنيّ والدفاعيّ الحاليّ،
فإبقاء وزيري الداخليّة والدفاع في منصبهما سيوفّر وقتاً وجهداً كبيرين على البلاد،
خصوصاً أنّهما تكنوقراط ولا ينتميان إلى أيّ حزب سياسيّ. وبذلك، نضمن تحييد هاتين الوزارتين
عن التّجاذبات السياسيّة. كما ستواجه الحكومة الجديدة تحدّي عودة الشباب التونسيّ المقاتل
في صفوف الجماعات الجهاديّة في سوريا وليبيا، خصوصاً بعد الهزائم الّتي لحقت بتنظيم
الدولة الإسلاميّة في هذه الساحات وتحدّي مجابهة الجماعات الجهاديّة المتمركزة في الجبال
الغربيّة على الحدود مع الجزائر".
وتعتبر
الجنسيّة التونسيّة الأكثر حضوراً في صفوف تنظيم "داعش" في سوريا وليبيا
والعراق، إذ تشير أغلب التّقديرات إلى أنّ عدد المقاتلين التونسيّين في سوريا والعراق
يفوق الـ3000 مقاتل. أمّا في ليبيا فيشكّل التونسيّون النّسبة الأكبر من عناصر التّنظيم،
إذ وصل عددهم إلى نحو 500 مقاتل.
هذا الوضع
الأمني الصعب أدى إلى تدهور الحالة الاقتصادية إذ تعاني تونس ، منذ العام 2011، وضعاً
إقتصاديّاً صعباً، وكان البنك المركزيّ التونسيّ قد حذّر، في 12 أغسطس/أب ،من تواصل
ارتفاع العجز التجاريّ، بعد أن قارب 6 مليارات دينار خلال النّصف الأوّل من سنة
2016، أيّ نحو 3 مليارات دولار. ويأتي ذلك في ظلّ اتّباع الدولة سياسة التداين الخارجيّ
منذ سقوط نظام الرئيس السّابق زين العابدين بن عليّ، بحيث ارتفعت ديون تونس من عام
2011 إلى اليوم نحو 58 في المئة، وآخر هذه الديون سندات بقيمة 500 مليون دولار بضمان
أميركيّ، أصدرتها تونس في 5 آب/أغسطس الحاليّ. وقالت وزارة الخزانة الأميركيّة، في
5 أغسطس/أب، إنّها كانت قد قدّمت أيضاً ضمانات لسندات تونسيّة في عامي 2012 و2014،
وإنّ عائد كوبون السندات البالغ أجلها خمس سنوات يبلغ 1.416 في المئة.
وتجابه
حكومة الشاهد الجديدة تحدّياً آخر لا يقلّ صعوبة عن الأزمة الإقتصاديّة والحرب على
الإرهاب، هو ظاهرة الفساد الّتي استفحلت داخل أجهزة الدولة قياساً بما كانت عليه قبل
سقوط نظام زين العابدين بن عليّ في عام 2011. ووفقاً لمؤشّر مدركات الفساد، والّذي
تنشره سنويّاً منظّمة الشفافيّة الدوليّة، حلّت تونس سنة 2010، وهي سنة بن عليّ الأخيرة
بالسلطة في المركز 59، فيما نجدها في مؤشّر عام 2015 تحتلّ المركز 76،بسبب ضعف الجهود
الحكومية لمقاومة ظاهرة الفساد، فقد كشف المسح الذي نشرت نتائجه منظمة الشفافية في
مايو/أيار الماضي عن أن 62 في المئة من التونسيين يعتقدون بأن جهود الحكومة في مجابهة
الفساد سيئة، الأمر الّذي دفع أخيراً بالمجتمع المدنيّ المحليّ إلىإطلاق مبادرات للحدّ
من الظاهرة.
وفي هذا
السياق، قال المحلّل السياسيّ عبد الستّار العايدي للمونيتور: "إنّ نجاح الحكومة
الجديدة في تحقيق الأولويّات الّتي طرحها رئيسها في خطاب التّكليف يبقى رهناً بتوافر
برنامج واضح ودقيق، وكذلك بوجود إرادة سياسيّة من طرف القوى السياسيّة الّتي ستشكّل
الحكومة لإخراج البلاد من الأزمة، وليس البحث عن مواقع في السلطة والدخول في صراع غير
معلن ينتهي بالمحاصصة، والأهمّ وجود دعم شعبيّ ونقابيّ، خصوصاً من طرف الإتّحاد العام
التونسيّ للشغل، فاتحاد الشغل يمثل أكبر منظمة نقابية في البلاد يمكن له أن يلعب دوراً
في إنجاح عمل الحكومة عبر إعلان هدنة إجتماعية من خلال وقف الإضرابات العمالية وتأجيل
المطالبة بالترفيع في الرواتب، لكنّ ذلك سيكون معلّقاً بالتوجّهات الإقتصاديّة للحكومة
الجديدة، فالشاهد أشار في خطاب التّكليف إلى أنّ البلاد تحتاج إلى قرارات استثنائيّة
وتضحيات، ونخشى أن تطال هذه التّضحيات الطبقات محدودة الدخل كأن تتعلّق مثلاً بتقليص
دعم الموادّ الأساسيّة أو تجميد رفع الرواتب".
وفي كلّ
مرّة تذهب فيها حكومة جديدة إلى البرلمان من أجل نيل الثقة، تتجدّد آمال التونسيّين
في تحسّن أوضاعهم الإقتصاديّة والإجتماعية، ويترافق ذلك مع الوعود الّتي يقدّمها رؤساء
الحكومة بمحاربة الفساد وإنقاذ الإقتصاد وتنمية الجهات والفئات المحرومة، لكنّ هذه
الآمال ما تلبث أن تتبدّد، فهل ستكون حكومة الشاهد الجديدة الاستثناء الّذي سيخالف
القاعدة؟ أم أن مالها سيكون كمن سبقها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق